أمي يتكلم بمعارف كتابية !
ماذا لو أخبرتكم أن رجلاً من عوام الناس لم يدرس الفلسفة ولا معرفة له بها اعتلى ذات مرة منبرا من المنابر في إحدى القرى وإذ به يحدثهم عن الفلسفة ونشأتها وتطورها ومصطلحاتها ورجالها ودقائقها !!
أكُنتم تُصدِّقوني؟!
هذا المثال يوضح لكم ما حدث لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان أميا نشأ بين قوم أُمِّيِّين لا معرفة له بالكتب السماوية السابقة و ما فيها من إيمان ، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى : " مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ " ( الشورى : ٥٢ ) ولقوله سبحانه : " وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ". ( العنكبوت : ٤٨ )
وعلى الرغم من ذلك فقد أتى بكتاب يتكلم فيه عن الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ، وبما في الكتب السماوية من اخبار وقصص بدقة وتفصيل ، بل و تصحيح لما هو مع اهل الكتاب منها ، ومهيمنا عليها ، و ذلك كله بأفضل بيان وافصح كلام!
لذلك كثيرا مايشير القرآن إلى هذه الحقيقة المختصرة المدهشه أمي يتكلم بمعارف كتابية ! فنجد على سبيل المثال :
" ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ". ( آل عمران : ٤٤ )
ونجد أيضا :
" وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ". ( القصص : ٤٤ )
ونجد ايضا :
" وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ". ( القصص : ٤٦ )
ونجد ايضا :
" تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ". ( هود : ٤٩ )
لقد اقتضت حكمة الله عزّ وجلّ أن يكون خاتم رسله وأنبيائه من الاميين الذين لاعلاقة لهم بالكتب السماوية ، حتى يجعل من أميّته ، إعجازًا ودليلا على صحة نبوته .. وهذا مانادت به الآية ١٥٨ من سورة الاعراف وفيها : " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " .
فماذا كان جواب قومه له صلى الله عليه وسلم ؟
منهم من آمن .. ومنهم من جحد و كفر وقال : " إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ " ( الفرقان : ٤)
والحق أن العالم بكل سر هو الذي يقدر على الإتيان بمثل هذا الكتاب لما فيه من اعجاز بياني لا يمكن صدورة من احد ولو استعان بالعالم كله ! مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : " قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ". [ الفرقان : 6 ]