إعجاز القرآن

                    
بسم الله والحمد لله ،،
يسأل بعضهم عن سر الإعجاز في بيان القرآن..؟! فما دامت ألفاظه وكلماته عربية، فأين الإعجاز في ذلك..؟!
 والجواب بسهولة ويسر هو أن إعجازه يتمثل بعدم قدرة البشر على تأدية معانيه الكريمة بمثل أدائه البليغ لها! وأقل معانيه هي ما احتوته أقصر سورة من سوره الكريمة وهي سورة الكوثر!
 إن إعجاز القرآن وببساطه يتمثل بتأديته لمعانيه بأبلغ الطرق وهذا ما يعجز عنه الناس!
 وقد أدرك العرب وغير العرب من المستشرقين هذه الحقيقة عندما أرادوا التعبير عن بعض معانيه، فيَئِسوا من محاولة إيجاد كلمات وألفاظ بليغة، تقوم مقام كلماته وألفاظه في بيانه المعجز! 

ولعلّ ما وقع للأديب العربي كامل كيلاني هو خير مثال يقرب لنا هذا المعنى ، فإنه يروي في مذكّراته قائلاً : كنت مع المستشرق الأوروبي فنكل وكانت بيني وبينه صلات أدبيّة وثيقة.. وكان يأخذ برأيي في كل المشاكل التي تقابله في الأدب ، لما يعتقده فيّ من الصّراحة. وذات يوم قال له المستشرق فنكل : 
أخبرني بصراحتك المعهودة ، أأنتَ ممّن يعتقدون إعجاز القرآن؟ أم لعلّك تجاري جمهور المسلمين الذين يتلقّون ذلك كابراً عن كابر؟ فابتسم له كيلاني وقال له وهو يعلم باع هذا المستشرق في اللغة-: لكي نحكم على بلاغة أسلوب بعينه يجب أن نحاول أن نكتب مثله أو نقلّده، فلنحاول، ليظهر لنا أنحن قادرون أم عاجزون عن محاكاته؟ وقال: فلنجرّب إذن أن نعبّر عن سعة جهنّم، فما نحن قائلون؟ وكتب كلٌ منهما نحو عشرين جملةً مختلفة الأسلوب، يعبّر بها عن هذا المعنى، وقرأ كلٌ منهما على صاحبه وأبدى كلٌ منهما إعجابه بما كتب الآخر، ثم قال له الأستاذ كيلاني مبتسماً : الآن تتجلّى لك بلاغة القرآن! فسأله فنكل: وهل أدّى القرآن بأبلغ مما كتبنا؟ فأجابه كيلاني: يقول القرآن: "يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ" [ سورة ق : 30 ] ، فصُعِقَ الرجل أو كاد أمام هذه البلاغة المعجزة، وقال: صدقت صدقت! 

ومن جانب آخر فإن المنهج الذي يقوم على الموازنة بين النصوص القرآنية والنصوص البلاغية الأخرى من حيث التقاؤهما بوحدة الموضوع والغرض العام ، يعتبر من أفضل المناهج العلمية التي تقنع الآخر بفكرة الإعجاز البياني ، وأن القرآن ليس بطاقة بشر ، وللتدليل على ذلك سننظر وعلى سبيل المثال في الموازنة التي تمت بين النص القرآني الذي يتحدث فيه ربنا سبحانه وتعالى عن حكمة القصاص بقوله : " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ". ( البقرة : ١٧٩ ) وبين قول العرب : " القَتْلُ أنْفى لِلْقَتْلِ ".

فأي النصين أبرع وأبلغ في أداء المعنى؟ 

بلا شك أن التعبير بلفظ " الْقِصَاصِ" أولى من " القَتْلُ "، لأن بعض القتل لا يكون أنفى للقتل وهو القتل ابتداء ، أما القصاص فلا يكون إلا بحق. 
ثم أن القصاص ضد الحياة، وهذا من بديع البلاغة الذي يسمى الطباق، وهو الجمع بين معنيين متضادين في جملة واحدة.
ثم أن عبارة : " القَتْلُ أنْفى لِلْقَتْلِ" لا تفيد إلا الردع عن القتل، بخلاف النص القرآني فإنه يفيد الردع عن القتل والجرح فهو أفيد. 
وبالتالي فإننا نحكم بعد المقارنة بأن النص القرآني الكريم هو أفصح و أبلغ بيانا ، وقد أتى بعبارة لا تحاكى ، وهذا ما يعجز عنه الناس ! 

وقس على ذلك بقية المعاني التي احتوتها الآيات القرآنية من قصص وأخبار متنوعة ، وأحكام وتشريعات مختلفة ، وكيف جاءت صياغتها بألفاظ وكلمات معجزه!

وهنا نريد أن ننوه إلى أن البعض ممن كتب في الإعجاز القرآني كالدكتور الفاضل صلاح عبدالفتاح في كتابة البيان في إعجاز القرآن ، قد استدل من كلمة : " مفتريات " من قوله سبحانه وتعالى في سورة هود : " أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ ".  إلى أن التحدي هو بألفاظ وكلمات القرآن وليس بمعانيه! 
وهو استدلال لا يصح إذ ان كلمة " مُفْتَرَيَٰتٍ " الواردة في الاية الكريمة كما يقول ابن جزي الغرناطي جاءت صفة لعشر سور، وذلك مقابلة لقولهم افتراه، وليست المماثلة في الافتراء. ( التسهيل في علوم التنزيل ت / 741 هجرية ) . 
وبالتالي فان قوله تعالى : " قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ". أي مماثلة لهذه السور التي تعتبرونها مفتريات. 
وهذا هو الذي يصح أن يتحدّى به ، بمثل قوله تعالى‏ : " فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ " [الطور : 34] ، فإنّا لا نسمّي الكلام حديثاً إلّا إذا اشتمل على معنى يتحدّث به ، وكذلك  قوله سبحانه تعالى : " فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ". [يونس : 38]
فالله سبحانه وتعالى لم يسمها سورة إلا لاشتمال آياتها على معان ومواضيع صيغت بأبلغ الطرق ، بما يعجز عنه الناس!  ولولا ذلك لم يتمّ التحدّي بالآيات القرآنيّة، إذ يستطيع الخصم أن يختار من مفردات الآيات عدداً ذا كثرة. ثمّ يقابل كلّاً منها بما يناظرها من الكلام العربي وهذا أمر أسهل ما يكون ! 

إن ما يطلبه القرآن الكريم في التحدي هو تأدية المعاني القرآنية وأقلها سورة واحدة بطريق فيه من الفصاحة و البلاغة ما يماثل فصاحة وبلاغة القرآن في التعبير عن معانيه! 
بمعنى آخر  أن يعارض إنسان ما سورة معينة من القرآن ، حتى يمكن الموازنة بين السورتين ، أي يقوم بصياغة معاني سورة من سور القرآن باسلوب مستقل في ألفاظه وتركيبه ، و ليس تقليدا للسورة  .... 
فبمثل هذه الأمور تعتبر المعارضة، فيقع بها الفضل بين الكلامين، من تقديم لأحدهما، أو تأخير، أو تسوية بينهما. 

ماهو وجه دلالة الإعجاز البياني على مصدره الإلهي؟

إن عجز البلغاء من العرب أمام بلاغة البيان القرآني ، وإعجازه لهم ، هو دليل على مصدره الإلهي من حيث كون أن هذا الإعجاز المستمر قد تم باسم الله وبعلمه وإذنه! 
وهو المفهوم من قوله سبحانه وتعالى : " فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَه إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ". 
يقول الطبري في تفسيره : " فإن لم يستجب لكم من تدعون من دون الله إلى أنْ يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أنزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الله وإذنه..". 
ومن الروعة ان نستشهد هنا بقوله سبحانه و تعالى : " لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ". ( النساء : ١٦٦ ) 

قرأت سؤالاً لأحد الأشخاص يقول فيه : كيف يكون القرآن معجزة للأعاجم وهو عربي وهم لا يعرفون العربية ؟
القرآن معجزة بلاغية بيانية بلغة عربية كما نصت الآية ١٩٥ من سورة الشعراء : " بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ " وبالتالي فإنه من البديهي ان التحدي بعدم القدرة على الاتيان بسورة من مثله يكون موجهاً لمن يعرف اللغة العربية ، وهذا مانزلت من أجله آيات التحدي آن ذاك  .... 
إن المعجزة البيانية كانت موجهة بالدرجة الأولى لأولئك الذين نزل القرآن بلسانهم وبدأت الدعوة من أرضهم وتمكن حب الكلام فيهم !  
وأما غيرهم ممن لا يتكلمون اللغة العربية فالإعجاز البياني بالنسبة لهم يُفهم وفق القياس والبرهان العقلي من حيث ان عجز العرب أنفسهم هو عجز لغير العرب من باب أولى ! 

إضافة إلى أن غير الناطقين باللغة العربية مخاطبون بوجوه إعجازية و دعوية أخرى متنوعة ويكفي أن نعرف بأن الله سبحانه وتعالى جعل من أمية محمد ، دليلاً و إعجازًا يفهمه الجميع .. ولتوضيح ذلك بمثال ماذا لو أخبرتكم أن رجلاً من عوام الناس لا معرفة له بالفلسفة مطلقاً اعتلى ذات مرة منبرا من المنابر في إحدى القرى وإذ به يحدثهم عن الفلسفة ونشأتها وتطورها ومصطلحاتها ورجالها ودقائقها !! 

أكنتم تُصدِّقوني ؟! 

ومحمد صلى الله عليه وسلم كان أميا نشأ بين قوم أُمِّيِّين لا معرفة له بالكتب السماوية السابقة و ما فيها من إيمان ، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى : " مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ " ( الشورى : ٥٢ ) ولقوله سبحانه : " وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ". ( العنكبوت : ٤٨  )  
وعلى الرغم من ذلك فقد أتى بكتاب يتكلم فيه عن الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ،  وبما في الكتب السماوية من اخبار وقصص بدقة وتفصيل ، بل و تصحيح لما هو مع اهل الكتاب منها ، ومهيمنا عليها ، و ذلك كله بأفضل بيان وافصح كلام! 

لذلك كثيرا مايذكرنا القرآن بهذه الحقيقة المختصرة المدهشه أمي يتكلم بمعارف كتابية ! فنجد على سبيل المثال : 

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) آل عمران

ونجد أيضا : 

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) القصص

ونجد ايضا : 

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) القصص

ونجد ايضا : 

تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ( 49 ) هود 

ومما يزيد من روعة هذه الآية هو تحقق الوعد الوارد فيها من قوله : "فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ". وهو ما تم بالفعل بعودة النبي لمكة فاتحاً منتصراً كما يعلم الجميع ودخول الأميين أفواجاً في دينه ! 

وبالتالي إن لم تكن تلك هي رسالة السماء من فم ذاك النبي الأمي و الذي اسمه محمد فأي رسالة بعدها يمكن لبشر ان يصدقها؟! 

هذا وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ،،